أبحاث حول الموسيقى الشعبية الريفية
/ بيارني
بتاريخ 9 يناير 1915 تأسست بالرباط تحت اشراف المقيم العام الفرنسي وبقرار منه لجنة تحمل اسم لجنة الدراسات الأمازيغية وذلك بهدف انجاز بحوث ودراسات تساعد على معرفة المجتمع المغربي ، وهذه الأبحاث والدراسات سوسيولوجية واثنوغارفية وسوسيولوجية هي التي أصبحت معروفة ب الأرشيفات الأمازيغية )أو البربرية (*.
ونجد من بين أعضاء تلك اللجنة م. بيارني كنائب للرئيس مكلف بالأحباس.
في هذا السياق الإيديولوجي والتاريخي تندرج الأبحاث والدراسات التي أنجزها الباحث بيارني، وقد كان من بينها دراسة مقتضبة حول الأشكال الموسيقية والشعرية بالريف * *
يقول بيارني بأنه اشتغل على متن شعري وموسيقي يتكون من ستين مقطوعة لثلاث قبائل ريفية هي تمسمان، آيت ورياعل وابقوين. وهذه المقطوعات تمثل في نظره ، إلى جانب الأساطير والحكايات الشعبية الإنتاج الأدبي الشفوي للريفيين . والذي يمكن اعتماده كأساس من أجل تحليل ما يسميه ب ’الفكر الريفي ’.
هذه الإنتاجيات الشعرية الموسيقية تنقسم في نظر بيارني إلى نوعين ولكل نوع خصوصيته ومميزاته.
· النوع الأول هو العيطة أو الفانطازيا .
· النوع الثاني هو ازران
1/ العيطة :
إنها أغاني وأشعار ورقصات رجالية حربية ، تقام بمناسبة الاحتفالات العمومية وهذا النوع من الاحتفالات يحظى بعناية وأهمية فائقتين من طرف الريفيين. ويرجع بيارني سبب هذه العناية وهذا الاحتفاء إلى أن القبائل الريفية تمتاز بكونها الأكثر تشددا وحربية في شمال إفريقيا ككل. وهذا ما يجعل أن الإنسان الريفي يعرف بنزعته الذاتية المتطرفة التي تتجلى في حرصه على الدفاع عن حريته واستقلاليته. وهو ، من أجل ذلك ، لا يعتمد إلا على جرأته وبندقيته التي لا تفارقه. ويشير بيارني إلى أن هذا الاعتزاز بالبندقية لا يرجع فقط إلى حاجته إليها للدفاع عن خصومه أو محاربة المستعمر الغازي ، بل أيضا إلى حاجته إليها لممارسة الفانطازيا . إذ لا يخلو أي احتفال عمومي أكان حفلا دينيا أو عرسا أو ختانا أو زيارة لضريح من رائحة الرصاص.
يذكرنا بيارني انه في مثل هذه المناسبات الاحتفالية ينسى الريفيون أحقادهم وعداواتهم. وأن تقاليد الريفيين صارمة في هذا الصدد. فقوانين القبيلة تمنع مهاجمة العدو/ الخصم أثناء تظاهرة عمومية )العرس، حفل ديني،…( أو في السوق. وإذا اخترق أحدهم هذا القانون وقام بمهاجمة خصمه داخل السوق أو الحفل فانه يتابع من طرف القبيلة بتهمة اغتصاب حق الأفراد. ويصدر في حقه حطم القتل إذا القي عليه القبض داخل تراب القبيلة . إن القاتل في هذه الحالة يحكم عليه بالنفي خارج القبيلة لمدة طويلة وتصادر ممتلكاته التي يتم إتلافها أو إحراقها.
إن ما يميز الفنطازيا عند الريفيين عن مناطق أخرى من المغرب هو أنها تمارس على الأرجل لا على الخيول. وتتخذ شكل اصطفاف الرجال في صفين متقابلين، ثم يقومون بحركات مضبوطة في شكل إقبال وادبار ثم التمازج واختراق صف للصف الآخر. وفي لحظة محددة يطلقون صيحات جماعية تسمى بالريفية )أعيض : ومنها جاءت تسمية العيطة( وهم ينطقون باسم أحد الأولياء ، ثم يقومون دفعة واحدة بإطلاق الرصاص على الأرض وليس في السماء.
ترافق هذه العروض صيحات الرجال وزغاريد النساء من المتفرجين . وهذا ما يخلق نوعا من الحماسة تجعل الاحتفال يمتد إلى أوقات متأخرة من الليل خاصة بمناسبة الأعراس.
2/ازران :
هي عبارة عن أشعار مغناة أمام الجمهور أثناء إحياء الحفلات وكل مناسبات الاستمتاع الجماعي بتعبير بيارني.
تكون تلك الحفلات غالبا أثناء الليل . وتحظى المناسبة بقيمة أكبر عندما يتعلق الأمر بالعرس.
يقوم بيارني انه عندما يحل الليل وتبدأ الفرجة ، يقوم امذيازن )الذين يسمون أيضا رشيوخ( وهم مرتدين لألبستهم المتميزة ومزودين بأدواتهم الخاصة سيما آلتي الزمار والبندير،في البداية بإلقاء بعض ازران تكون عبارة عن مدح لأشخاص يكونون قد دفعوا مقابلا على ذلك مسبقا. ويكون ذلك في شكل مسرحي له قواعده الخاصة والمعروفة لدى امذيازن الذين يقوم أحدهم بالقاء وانشاد ازري ، ويقوم الآخرون بنفخ في الزمار وهم يدورن على الجمهور في شكل دائري. والحاضرون يطلقون الصيحات والزغاريد وطلقات الرصاص.
بعد هذا الفصل تأتى الفتيات لأخذ مكان امذيازن . ويقمن بإلقاء ازران بأنغام وإيقاعات وألحان مختلفة ومتنوعة وبحركات مضبوطة بدقة تعتمد أساسا على حركة الأرجل وهن في ذلك مصحوبات ببناديرهن الصغيرة أو الكبيرة الحجم. يتم ذلك في شكل ثنائي أو رباعي وبالتناوب.
يلاحظ بيارني أن ازران النساء ، على خلاف ازران امذيازن ، أكثر شعرية وإبداعية . والمرأة الشاعرة لا تنظم الشعر / ازران من أجل الحصول على مقابل كما أمذياز، بل ان ازران بالنسبة إليها تعبير عن أحاسيسها وأفكارها الخاصة. ولهذا فهي أكثر غنى لأنها أكثر صدقا وعفوية. وموضوعها الرئيسي هو الحب أو) رهوى/الهوى(. وتمتاز أيضا بمراعاتها ، في الغالب الأعم ،لآداب الحشمة والوقار ، بينما نجد ازران امذيازن تفتقد إلى ذلك وتكون متضمنة لكلمات هجينة ، ولذلك تسمى هذه الأشعار/ازران ب) رعرور/ من العار(. كما تمتاز ازران النساء ، فضلا عن هذا ، بنفحة من الحزن والرقة تشوبها أحيانا قبسات من الشكوى و التمرد.
وازران بشكل عام هي ما يعبر عن عمق الروح الريفيةL’âme rifaine بتعبير بيارني دائما.
الحسن أسويق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* Les Archives Berbères : publication du comité d’études berbères de rabat 1915 – 1916 / Editions – Diffusion AL KALAM / Rabat 1987
** Biarny : Notes sur les chants populaires du rif
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق