الأربعاء، 10 سبتمبر 2008

المدرسة والسلطة في العصر المريني


























إذا كان جل الباحثين يتفقون على أن المدرسة قد ظهرت بالشرق الإسلامي في القرن الخامس الهجري ( الحادي عشر الميلادي) ، فانه يوجد اختلاف حول تاريخ ظهورها بالمغرب بين الباحثين والمؤرخين . وهو اختلاف ناتج عن تضارب روايات المصادر التاريخية ، نظرا - بالدرجة الأولى - لغموض والتباس لفظ المدرسة، وانزلاق بعض المصطلحات الثقافية او الحضارية عبر العصور وما يترتب عن دلك من خلط تاريخي كما لاحظ أحد الباحثين.
إن مهمتنا ستكون في البداية ، بالنظر إلى ذلك ، التعريف بمدلول لفظ المدرسة في سياقه التاريخي وتحديد خصائص هده المؤسسة الجديدة تمييزا لها عن المؤسسات التعليمية الأخرى كالكتاب والمسجد والرباط والزاوية والجامع....الخ خلال العصر الوسيط الإسلامي، وذلك محاولة لتفادي الانزلاقات المشار إليها، والامساك بالمعنى التاريخي لكلمة المدرسة بحيث لا تصبح مجرد أي مكان تلقى فيه الدروس.
كما سنحاول من جهة أخرى بيان ما الذي يميز المدرسة عن دار الحديث ودار القرآن ودار العلم من الناحية المذهبية والتوجهات الفكرية ، ومدى اختصاص المدرسة في تلقين ونشر تعاليم الفقه السني ؟ ولماذا لم تظهر ببلدان شمال أفريقيا، والمغرب الأقصى تحديدا ، سوى المدارس المالكية دون غيرها من المذاهب أي الحنبلية والشافعية والحنفية؟

إن الاختلاف حول تاريخ ظهور أول مدرسة بالمغرب مسألة جرى فيها الكلام بين الدارسين على أنحاء وجهات متباينة . وهي مسألة لا شك تتطلب المزيد من الفحص لاستجلاء الخلفيات المنهجية والنظرية التي تجعل الباحث ينتصر لهذا الموقف أو ذاك.
سنكتفي في هذه العجالة بالإشارة ، في هذا الصدد ، الى أن إبراز الخاصية الأساسية والمميزة لمؤسسة المدرسة هو الشرط اللازم لدخول غمار هذا النقاش.
وتكمن هذه الخاصية ، التي ينعقد حولها الاجماع ، في كون المدرسة مؤسسة وقفية تجمع بين التعليم والإيواء.

وإذا كان من الصعب نفي وجود مؤسسات ايوائية تعليمية بالمغرب الأقصى قبل العصر المريني ، فان انتشار المدارس في هذا العصر – كما سنفصل القول في ذلك لاحقا – كانت ظاهرة مرينية اتخذت صبغة "قضية ملتقى" متعددة الأبعاد
والمنافذ على حد تعبير محمد القبلي. إلى درجة يمكن القول معها انه لم يكن



"لأهل المغرب عهد ولا معرفة بموضع" المدارس قبل أن يبني يعقوب بن عبد الحق المريني مدرسته الأولى بفاس سنة 674 هجرية، كما ذهب إلى ذلك ابن مرزوق ( توفي 781 ه / 1379م) في "المسند الصحيح الحسن في محاسن ومآثر مولانا ابي الحسن" والذي يعد احد المصادر الهامة للمرحلة التاريخية التي نحن بصددها ، إلى جانب أعلام أخر كابن عذاري (توفي حوالي 706ه/1307م) ومحمد ابن عمر ابن رشيد السبتي (توفي 721ه/1321م)، وأبو الحسن علي بن ابي زرع الفاسي (توفي حوالي 726ه/1324م) ولسان الدين بن الخطيب (ت 779ه/1377م) وعبد الرحمن بن خلدون (ت 808ه/1406م) وابو العباس احمد بن الخطيب المعروف بابن قنفذ القسنطيني (ت 809ه/1406م).

من هذا المنطلق لا بد من ان نتساءل : ما هو السياق العام الدي انبثقت فيه المدارس المرينية التي ذكر ابن مرزوق في مسنده بعضا منها كمدارس ازمور، واسفي، وانفا، واغمات، والقصر الكبير، وابن يوسف في مراكش، ومكناس ،وسلا، وسبتة، وتازة والعباد بتلمسان. اما مدارس فاس التي كان لها الصيت الأكبر فهي مدارس الحلفاويين ثم تلتها المدرسة المرينية التي بناها السلطان أبو سعيد عام 721ه/1321م لتتلوها مدارس الصهريج والعطارين والقرويين والمدينة البيضاء والمصباحية والوادي والمدرسة البوعنانية ؟ وما هي الملابسات المصاحبة لتاسيسها لأول مرة على عهد يعقوب بن عبد الحق المريني؟ وما هي الأهداف المباشة والمقاصد الغاياتية المنشودة من ذلك المشروع؟
وقد أعطى جل الدارسين ، الذين اهتموا بالموضوع ، تأويلات مختلفة وذهبوا مذاهب شتى في هذا الشأن.
ويبدو لنا ان الحديث عن سياق التاسيس يستدعي التمييز بين مستويين : يتصل المستوى الأول بالاتجاه العام لخطة الحكم المريني ، او ما يمكن التعبير عنه بالمقاصد الغاياتية البعيدة المدى ، فيما يتصل المستوى الثاني بظروف الانطلاق الفعلي للمشروع المدرسي وتفاعلاته المختلفة.

المستوى الأول :ان المقاصد الأصلية التي قد يكون خطط لها المرينيون تكمن في نشر تعاليم المذهب المالكي عبر هذه المدارس باعتبارها مؤسسات سنية وذلك مسايرة لركب هذا المذهب الصاعد بالبلاد الأفريقية بعد سقوط الخلافة السنية بالشرق الإسلامي.

وغني عن البيان أن اي حديث عن المدارس المرينية لا يمكن ان ينفصل عن النظام المريني السني علما بان المرينيين ، عكس سابقيهم من المرابطين والموحدين ، لم تقم حركتهم على دعوة دينية أو ايديولوجا خاصة بهم.ولأن



الأمر كذلك فقد يكون مشروع المدارس تعويضا عن ذلك " النقص " ، وبحثا في نفس الوقت عن المشروعية الثقافية والفكرية خاصة وأنهم يفتقدون الى النسب الشريف. هذا دون أن نستبعد أن يكون من بين الرهانات على هذا المشروع كسب ولاء الفئات الشعبية المختلفة سيما وانه كانت هناك ، الى جانب المدارس ، مشاريع احسانية ومؤسسات دينية واجتماعية اخرى ذات منفعة عامة ، عبارة بدورها عن مؤسسات وقفية كالزوايا والرباطات والبمرستانات والفنادق.

المستوى الثاني :غير ان ترجمة ذلك المشروع المدرسي على ارض الواقع واجهته عقبات كاداء تجسدت أساسا في الموقف المتحفظ لفقهاء القرويين الذين رفضوا تزكية السلطة المرينية. وعليه فلا يمكن التطرق الى مسألة الانطلاق الفعلي للمشروع المدرسي المريني بمعزل عن سياق القلاقل الاجتماعية والصراعات السياسية والمذهبية ، إن وجدت.

لقد كان التحدي الأول الذي واجه السلطة المرينية يتمثل في تكوين نخبة من الفقهاء الموالين للسياسة الرسمية ويأخذون على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن مشروعية الحكم المريني. فكان اللجوء الى بناء المدارس كاداة لتحقيق ذلك الهدف الآني والمباشر.
بعبارة اخرى يمكن القول ان المشروع المدرسي المريني يندرج في سياق البحث عن اداة كفيلة بضبط التوازنات الداخلية والتحكم في مجتمع المدينة عبر انتاج الاطر الادارية والقضائية والتعليمية والسياسية للدولة الناشئة.
وعلى ما يذكر ابن أبي زرع في روض القرطاس ، فان المرينيين عندما دخلوا فاس سنة 646ه ، وجدوا الأعيان يشرفون على ادارة المساجد الجامعة بالمدينة كالقرويين ، ويعينون الخطباء بعد ضعف الموحدين ، ولم يستطع المرينيون ، في البداية الاشراف على هذه المساجد الجامعة ومراقبتها ، الا ابتداء من سنة 689ه ، حين عينوا لأول مرة الخطيب محمد بن ابي الصبر ايوب بظهيري، أي بعد أزيد من 40 سنة على دخولهم لفاس. وقد مهدوا لهذا الإشراف والمراقبة بإصلاح هذه المساجد ، كما حدث حين اصلحوا الحائط الشرقي لجامع القرويين وادخلوا اصلاحات على جامع الأندلس.

ولعل السؤال الدي ينبغي طرحه ها هنا هو : ما هي أسباب الموقف المتحفظ لفقهاء فاس؟ ولماذا توقف المشروع المدرسي المريني زهاء نصف قرن قبل ان يستانف من جديد ، وبوتيرة بطيئة ، رغم توطد سلطة المرينيين في المرحلة




الأخيرة من عظمة دولتهم ، مرحلة أبي الحسن وأبي عنان الممتدة من سنة 731 الى 759ه (من 1331 الى 1358م) ، قبل ان يتوقف نهائيا بعد مدة لا تتجاوز ستة وثلاثون سنة؟
ولا تفوتنا الاشارة في هذا السياق إلى أن علاقة أهل السيف بأهل القلم المتحفظين والمعارضين لم تكن قائمة على حد السيف بل على محاولة الاستقطاب والاستمالة وربما الاقناع. وفي هذا الإطار يجب في نظرنا سوق الحكاية التي اوردها صاحب التشوف عن زعيم المعارضة بالقرويين اسحاق بن مطهر الورياغلي.

انه موقف يبعث على الغرابة دلك الذي وقفه فقهاء المدينة بفاس. فهل كان هؤلاء الفقهاء ضد المذهب المالكي الذي جاءت مدارس المرينين لاحيائه ، في مواجهة بقايا المذهب الظاهري الموروث عن العصر الموحدي ؟ أم أن ثمة أسباب أخرى خفية، في حاجة الى الاستجلاء ، لذلك الموقف المتحفظ؟
إنها قضية تحتاج ، ولا شك ، الى المزيد من التنقيب والبحث المعمق.

سبقت الإشارة إلى أن من بين العوامل المفسرة للعدد الضئيل من المدارس المالكية بالشرق الاسلامي هو الموقف السلبي للفقه المالكي من الوقف السلطاني . لكن هذا الموقف هل يهم المالكية ككل أم مذهب من مذاهبها ؟ وهل كان هناك أصلا صراع بين المذاهب السنية بالمغرب في الفترة التي تهمنا؟

بالرجوع إلى التجربة المدرسية بالشرق الاسلامي بين منتصف القرنين الخامس والسابع الهجريين ، يلاحظ نوع من الاستمرارية على مستوى التشييد والتوسع لشبكة المدارس . أما بالمغرب الأقصى ، حيث تركزت التجربة اكثر مما كان عليه الأمر في المغرب الأوسط وبلاد افريقية ، فاهم ما يميز المشروع "المدرسي" هو البداية المتعثرة وقصر العمر.

ربما يكون من العناصر المفسرة لما حدث ان ظهور المدارس بالشرق الاسلامي كان في مناخ متعدد المذاهب السنية فكانت هناك مدارس الشافعية ، ومدارس الحنابلة ، ومدارس الشافعية ، ومدارس مالكية وان بدرجة اقل. فكان التنافس عامل إذكاء الحماس وضمانا للاستمرارية في مواجهة الشيعة الاسماعيلة التي كانت تنشط في مؤسسات خاصة حملت تسمية أخرى هي دور العلم.

لكن ليس هناك ما يثبت وجود مدارس على هذه الشاكلة المتنوعة مذهبيا بالمغرب . وبالرغم من ذلك فقد تكون لبعض الفقهاء ، الذين وقفوا ضد المشروع المدرسي المريني ، آراء وميول مذهبية غير معلنة قد تفسر موقفهم ذاك. نقول هذا الكلام لأنه ، كما قد يبدو ظاهريا ، كان على فقهاء فاس ، بجامع القرويين ، تبني ذلك المشروع "المدرسي" المريني لكونه جاء ليضطلع بمهمة مقاومة التشيع لفائدة السنة بمختلف مذاهبها.
ثمة احتمال آخر يتعلق بصراع محتمل بين فقهاء أهل مدينة فاس والفقهاء والقضاة القادمين من الأندلس بعد سقوط قرطبة واشبيلية ومرسية والذين تم تعيينهم في مناصب ادارية هامة. بل ان مهمة عملية بناء المدرسة اليعقوبية ،كأول مدرسة مرينية مهمة ، أوكلت على ما يذكر ابن أبي زرع في الدخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية الى احد فقهاء المرية وهو ابو امية الدلائي.
ومهما يكن من أمر، فالتساؤلات المطروحة ما زالت تنتظر الاجابة رغم عدم صعوبة الجزم برأي محدد. وهذه التساؤلات الشائكة ، كما يتبين مما سلف ، تتصل أساسا بأسباب موقف التحفظ الذي وقفه فقهاء فاس. ويمكن تلخيص هذه التساؤلات في السؤال المركب التالي : هل تعزى تلك الأسباب الى صراع مذهبي بين الفقهاء المعارضين للمشروع والمناصرين له؟ أم الى موقف المالكية من الوقف السلطاني ؟ أم الى الصراع بين فقهاء فاس وفقهاء الأندلس؟ أم الى مجرد صراع مزاجي بين بدو وحضر؟

إذا كانت التساؤلات السابقة تهم العراقيل التي واجهت التجربة "المدرسية" المرينية في بدايتها ، وهي العراقيل التي فرضت على السلطة المرينية بعض التنازلات لصالح الفقهاء المعارضين خاصة في ما يتعلق بالوقف والتحبيس وتوقف التجربة بعد ذلك لمدة طويلة كما مر معنا ، فان المثير في الأمر هو ان استئناف المشروع ، رغم توطد السلطة المرينية ، كان بشكل بطيء ولم يسفر عن نتائج فعالة. فهل يكون النظام المؤسسي الصارم لتلك المدارس التابعة كلها للدولة ، هو السبب الأساس في انتهاء التجربة كلها إلى الفشل؟
انه الاحتمال الذي نرجحه والدي سندافع عنه في هذا العمل.

ومما يعزز هذا الاحتمال أننا إذا رجعنا إلى التجربة المشرقية من جديد يلاحظ ان وضع المدارس يختلف عنه في المغرب كما تجسد مع التجربة المرينية. فالمدارس في الشرق ثلاثة اصناف : هناك المدارس الحرة يقوم بتأسيسها وتمويلها الخواص من العلماء والأعيان . وهناك المدارس شبه الرسمية التي اقامها وحبس عليها بعض الأمراء او الوزراء او غيرهم من اعيان الدولة الحاكمة. وهناك اخيرا المدارس الرسمية التي امر ببنائها والاتفاق عليها السلاطين انفسهم.



اما في المغرب فان النوعين الأولين منعدمان على الاطلاق. معنى هذا أن مبادرة البناء والتمويل المنتظم كانت محتكرة واتت دائما من جهة السلطان دون غيره .
وقد كان من نتائج ذلك الطابع المؤسسي الرسمي للمدرسة المرينية انتقاد الفقهاء والعلماء معا ، ليس في القرويين فقط بل على امتداد رقعة الحكم المريني في مرحلته الثانية بالخصوص ، لكون أن تلك المدارس قد كانت السبب في فساد العلم. وفي هذا الإطار يندرج القول المشهور للآبلي الذي ينتقد فيه التآليف وبناء المدارس : " انما أفسد العلم كثرة التآليف ، وانما أذهبه بنيان المدارس". والمقصود هنا نقد التآليف التي أنتجت في اطار مؤسسة المدرسة. وربما يقصد الآبلي التآليف مطلقا ، خاصة إذا علمنا ، انه مثل الفيلسوف اليوناني سقراط ، لم يؤلف شيئا، رغم مساهمته في نشر العلم والمعرفة من خلال التدريس الذي قد لا يكون بالضرورة في المدارس الرسمية.

ونحن اذا ما تساءلنا عن النتائج الفكرية لهذا النظام المدرسي وطابعه المؤسسي ، سنلاحظ نشأة تقاليد علمية جديدة ساهمت في بلورة المعالم الفكرية للمرحلة التي نحن بصددها. ومن بين تلك الملامح سيادة كتب المختصرات التي تقتضيها مهمة تسهيل التعليم وما رسخه ذلك من تقاليد الحفظ والتذكر ، وغياب انتاج فكري ذي بال.
ولعل العلامات المضيئة لتلك الفترة ، خاصة في مجال الرياضيات ، قد أنتجت خارج الاطار المؤسسي "المدرسي".

لا يمكن بأي حال من الأحوال نفي المساهمة الفعالة للمدارس المرينية في
انتعاش ونهضة الحركة الثقافية عموما في الفترة التاريخية التي نحن بصددها ، لكن هذه السياسة "المدرسية" أفرزت وضعية فكرية وعلمية اتسمت بسيادة التقليد وغلبة العلوم النقلية على حساب العلوم العقلية بما في ذلك الفلسفة. والجدير بالإشارة ها هنا إلى أن الموقف المعادي للفلسفة قد لا يكون ، كما تشهد على ذلك بعض المعلومات التاريخية المدونة ، موقفا رسميا للدولة ، بل ان الحكام أنفسهم اضطروا لمسايرة موقف الفقهاء خوفا من نقمتهم حتى وان كان بعض المشتغلين بالفلسفة وما يتصل بها من " علوم الأوائل " ، خارج مؤسسة المدرسة طبعا ، مقربين من الحكام.
انه لا سبيل الى الالمام بتفاصيل البرامج المقررة والمسموح بها في المؤسسات التعليمية آنئذ لغياب أرشيف ومعلومات دقيقة في الموضوع . وإذا ما صدقنا علي الجزنائي في جنى زهرة الآس فانه كانت بالقرويين على عهد ابي عنان خزانة للكتب " محتوية على أنواع من علوم الأديان والأبدان والأذهان واللسان ، وغير ذلك من العلوم على اختلافها وشتى ضروبها وأجناسها".



لكن الثابت أن العصر المريني هو عصر العودة الى المذهب المالكي ، وما المدارس الا مؤسسات سنية لرعاية ذلك المذهب والترويج له.وقد كان من نتائج ذلك ، على مستوى المضامين التعليمية ، تقلص أهمية العلوم العقلية خاصة ما يتصل بالطبيعة والكوسمولوجيا ، في مقابل هيمنة الفقه. ومن الباحثين من يؤكد أن المدارس التعليمية المرينية كانت مدارس فقهية لا حديثية. وهذا أيضا مظهر من مظاهر الانحطاط الفكري ، لأن الفقه لا يتطلب مهارات فكرية خاصة عدا الحفظ . لذا كان أصحابه يميلون الى التقليد ، وليس الى الاجتهاد كأغلب المحدثين.
وقد يفيدنا التذكير هاهنا بذلك الصراع الفكري بين تيار أصحاب الحديث وأصحاب الفقه في تاريخ الغرب الاسلامي منذ القرن الثالث الهجري . واستمر ، بعد ذلك ، كما يتجلى في الصراع المذهبي بين فقهاء المرابطين المتشبثين بالفقه المالكي والتقليد والميل للجمود الفكري وبين الموحدين المدافعين عن الحديث والدعوة الى الاجتهاد وترك التقليد.
ومما لا شك فيه ، ومن المعلوم الذي لا مرية فيه ، أن العودة الى الفقه المالكي عودة الى رفض الرأي والتأويل ومحاربة تعدد المذاهب الذي يعد شرطا حيويا للجدل الفكري المنتج للخصوبة العلمية في زمن من الأزمان.


اننا إذن بإزاء مجموعة من الأسئلة العامة والقضايا الخاصة التي تستوجب الدراسة والمعالجة. ومن أجل ذلك . ولكي يجري الكلام على نسق ، سينتظم بحثنا وفقا لبابين . نتناول في الأول السياق العام لتاسيس المدارس المرينية ، ويشمل فصولا تنظر في رهانات ذلك التأسيس ، وأسباب الموقف المعترض لفقهاء فاس للمشروع "المدرسي المريني" الذي نتج عنه توقف التجربة.
كما سنعالج في الباب الثاني ، الذي يشمل بدوره فصولا ، الوضعية الفكرية التي نتجت عن سياسة المدارس ، وكيف ساهم طابعها المؤسسي الرسمي في "فساد العلم".







الببليوغرافيا

المصادر والدراسات باللغة العربية:

I -المصادر:

ابن أبي زرع الفاسي، علي: الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس. راجعه عبدالوهاب بن منصور، المطبعة الملكية، ط2، الرباط، 1999.
ابن أبي زرع الفاسي،علي: الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1972.
ابن الأحمر، إسماعيل: روضة النسرين في دولة بني مرين، تحقيق عبدالوهاب بن منصور، المطبعة الملكية، ط3، الرباط، 2003.
إبن الأحمر، إسماعيل: بيوتات فاس الكبرا، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1972.
بابا التنبكتي، أحمد : نيل الابتهاج بتطريز الديباج، دارالكتاب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
البادسي، عبدالحق بن إسماعيل: المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف، تحقيق سعيد أعراب، المطبعة الملكية، ط2، الرباط، 1993.
ابن بطوطة، محمد بن عبدالله الطنجي: تحفة النظار في غرائب الأقطار وعجائب الأمصار، تحقيق علي المنتصب، بيروت، لبنان، 1985.
الجزنائي، علي: جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس. تحقيق عبدالوهاب بن منصور. المطبعة الملكية.ط2. الرباط، 1991.
ابن الخطيب، لسان الدين: الإحاطة في أخبار غرناطة، تحقيق محمد عبدالله عنان، 4 أجزاء، القاهرة، 1973.
إبن الخطيب، لسان الدين: نفاضة الجراب في علالة الاغتراب، تحقيق مختار العبادي، الدارالبيضاء، 1985.
ابن خلدون، عبدالرحمن الحضري: التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا، تحقيق محمد بن تاويت الطنجي، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1951.
ابن خلدون ، عبد الرحمن : المقدمة ، تحقيق علي عبد الواحد وافي ، ط 3 ، دار نهضة مصر، القاهرة، بدون تاريخ
ابن قنفذ، أحمد بن الخطيب القسنطيني: أنس الفقير وعز الحقير، تحقيق أدولف فور ومحمد الفاسي، المركز الجامعي للبحث العلمي، الرباط، 1965.
المراكشي، عبدالواحد: المعجب في تلخيص أخبار المغرب. نشره محمد سعيد العريان ومحمد العلمي، دار الكتاب، ط7، 1978.
إبن مرزوق، التلمساني: المسند الصحيح في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن، تحقيق ماريا خيسوس بيغيرا، الجزائر، 1980.
المقري، أحمد بن محمد: نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب وأخبار وزيره بن الخطيب (10 أجزاء)، تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد، القاهرة، 1949.
إبن مريم: البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان. ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1986.
الوزان الحسن: وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، 1980-1982.
الونشريسي أبو العباس، أحمد: المعيار المغرب والجامع المعرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 13 جزءا، 1981.

II -الدراسات:
أسكان، الحسين: تاريخ التعليم بالمغرب خلال العصر الوسيط (1-9هـ/7-15م)، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، سلسلة الدراسات والأطروحات، رقم 1، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 2004.
البوعياشي، أحمد عبدالسلام: المرينيون في الريف: الأمير عبدالحق، ضمن كتاب: "حرب الريف التحريرية مراحل النضال". ج1. نشر عبدالسلام جسوس وسوشبريس، 1974.
البعزاتي، بناصر: مشاكل العلم بالغرب لاإسلامي في القرن الرابع عشر. ضمن: الفكر العلمي في المغرب – العصر الوسيط المتأخر، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات، رقم 104، تنسيق بناصر البعزاتي، 2003.
البعزاتي، بناصر: الرياضيات زمن ابن خلدون. ضمن: الأبنية الفكرية في الغرب الإسلامي زمن ابن خلدون. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 140، تنسيق بناصر البعزاتي، 2007.
الفياض، سعيد إسماعيل: معاهد التربية الإسلامية، دار الفكر العربي، 1986.
القبلي، محمد: قضية المدارس المرينية: ملاحظات وتأملات. ضمن كتاب: مراجعات حول المجتمع والثقافة بالمغرب الوسيط، الدارالبيضاء، دار توبقال، ط1، 1987.
المنوني، محمد: ورقات عن حضارة المرينيين، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة بحوث ودراسات رقم 20، ط3، الدارالبيضاء، 2000.
المنوني، محمد: تاريخ الوراقة المغربية: صناعة المخطوط المغربي من العصر الوسيط إلى الفترة المعاصرة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، بحوث ودراسات رقم 2. ط1، الدارالبيضاء، 1991.





الدراسات باللغات الأوربية:


- Balbas ( L . T ) , Ciudades hispano-musulmanas.
2ème Edicion, Ministerio de Asuntos Exteriores, Madrid, 1985.
-Benchekroun (M), la vie intellectuelle marocaine sous les Mérinides et les wattasides. Rabat. 1974.
-Binebine (A-ch), Histoire des bibliothèques au Maroc. Publications de la faculté des lettres et des sciences humaines-Rabat, Série : Thèses et mémoires n° 17. 2ème Edition 2000.
- Gilson ( E ) , La philosophie au Moyen –Age , Paris,1962
-Khanboubi (A), Les premiers sultans Mérinides, Eds. L’Harmatan, Paris, 1987.
-Makdisi (G), The rise of colleges : Institutions of learning in Islam and the west, Edinbourg, 1981.
-Makdisi (G), Muslim institutions of learning in eleventh-century Bagdad, 1961.
-Makdisi (G), The Madrasas in Spain: some remarks, in: ROMM n°15-16 , 2°semestre , 1973 , pp 153 -158.
-Shatzmiller (M), L’Historiographie mérinide. Ibn Khaldūn et ses contemporains, Lyde, 1982.
-Shatzmiller (M), 'Les premiers mérinides et le milieu religieux de Fès, Introduction aux Médrasas' : studia Islamica.T.XLIII.
- Sourel (d) , Réflexion sur la diffusion de la madrasa en orient du XI au XIII siècle , in L’enseignement en islam et en occident au moyen age ,colloques internationaux de Napoule , I , paris –Geuthner,1977, 165-184.
-Terrasse (H), Médrasas du Maroc, éd. Albord Moracé, Paris, 1927.
-Terrasse (H), la grande Mosquée de Taza, éd. D’art et d’histoire. Paris, 1938.
- Verger (J ) , Les universités au Moyen – age , Paris,1973

ليست هناك تعليقات: